الرؤيا و الرسالة

الرؤيا_والرسالة.jpg

إن منهجية الحياة ، المعتمدة على الأهداف الواضحة و المحددة ، تقود إلى نجاحات متتالية طالما كانت هذه الهداف و الرؤى نابعة من فكر مستنير بالروح القدس ، و تدفعها إلى الأمام أعماق مقدسة تتطلع لإشباع قلب الله بخضوع و طاعة لمشيئته الحكيمة الصالحة.

كما أن العالم الذي يتردى كل يوم ، عن ما قبله ، إلى حال أسوأ ، و هو الآن على شفا الدمار و الإفناء بفعل طاقات مدمرة مختزنة في جوفه منتظرة لحظة مجنونة و غير مسئولة للانقضاض عليه فيمضي إلى الفناء و كأنه لم يكن موجوداً من قبل . إن عالمنا المسكين هذا لا يحتاج إلى تواكلية في التحركات الروحية ، بل إلى أشخاص مبدعين يمتلكون بالإيمان رؤى غرسها في قلوبهم روح الله المبدع الخلاق العظيم.

و كلمة " رؤيا" مشتقة من الفعل يرى ، و هكذا كما ترى العين الأشياء التي في الضوء هكذا ترى عيون أذهاننا الروحية أشياء تقع في دائرة الضوء الإلهي ، هذه الأشياء قد لا تكون موجودة في الواقع المادي المحيط بنا ، لكن الروح القدس يطلعنا عليها ليرينا ما هو في فكر الله بخصوص المستقبل الخاص بحياتنا و بالعالم المحيط بنا ، ليس كمحاولة للتنبؤ بالغد ، و لكن كأهداف إلهية يريدنا الرب بمعونة الروح القدس أن نحققها لتتحول هذه الرؤى إلى واقع عملي معاش مع الأيام.

و لو أردنا تعريف لهذه الكلمة " الرؤيا " دعنا نقول " أنها تصور لما يجب أن يكون علية المستقبل ، سواء لشخص أو لجماعة . و التركيز هنا على كلمة يجب ، أي أن الرؤيا ليست مجرد محاولة استقراء للمستقبل أو التنبؤ به و لكن صنعاً له.

و هنا يثور أمامنا السؤال : كيف تتكون الرؤيا في حياة أولاد الله؟

و للإجابة على هذا السؤال ، نقول أنه يستلزم الأمر:

  1. حواس روحية مدربة على فهم الروحيات ، بتمييز نقي من الروح القدس.
  2.  انفتاح على الواقع الروحي كما هو أمام أعين الله.
  3.  شركة متجددة مع الروح القدس ، الناقل لأشعة النور الإلهي التي تمكن أرواحنا من رؤية أمور الله.
  4.  انفتاح مستمر على كلمة الله الحية ، التي تترجم أمام أذهاننا لفهم المقاصد الإلهية ، و  تعمل على تحقيقها.
  5.  الاحتكاك المستمر بالأحداث ، و  طرح تساؤلات بخصوصها ، و البحث عن إجابات لهذه الأسئلة في محضر الله بمعونة الروح القدس.

 

عزيزي ، قد تقول في نفسك : هذا كلام ليس لي فلست أنا بمستطيع أن أعمل شيئاً لأني أصغر من أن أحقق أموراً عظيمة. اسمح لي أن أرد على قولك هذا بما قاله الله للنبي أرميا حينما اعتذر عن قبول التكليف الإلهي بأن يكون نبياً للشعوب لأنه كان يرى نفسه صغيراً عن أداء هذه المهمة " لا تقل أني ولد لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب و تتكلم بكل ما آمرك به " ( أر 1 : 7 ) أنت أيضاً أيها الصديق عندما تثق في إلهك الذي يرسلك، و في ما أعطاك من مواهب و قدرات تستطيع أن تحقق التكليف الإلهي لك.

دعني أقول لك أنك لست بمفردك فأنت عضو حي في كنيسة الله ، ذلك الكيان الروحي الحي الممتد عبر العصور  و المنتشر في كل أقطار الأرض . و الروح القدس يؤيدك بواسطة الكنيسة الحية ، حتى و إن كنت بمفردك في مكانك ، فأنه يرشد آخرين يصلون من أجلك و يصدون عنك هجمات شيطانية تحاول أن تعطلك لتحول الرؤيا في حياتك إلى خيال لن يتحقق أبداً.

ثق في عمل نعمة الله ، و تأكد دائماً لست وحدك في مجال تحقيق الرؤى الإلهية . الله نفسه معك يؤيدك لتحقق النجاح ، و كنيسته الحية تؤازرك بمعونة روح الله المحيّ.

و هنا نحتاج أن نتوقف قليلاً أمام دور الروح القدس في هذا الأمر ، فالحقيقة أن الروح القدس هو المسئول الأول عن تكوين الرؤيا إذ أنه " المبدع " العظيم . الروح القدس يجدد ذهن و عقلك من كل إظلام و غباء و محدودية ، و يفتح عينيك الروحية على آفاق متسعة و يطلعك على ما في فكر الله بخصوص العالم المعاصر و بخصوص دورك المهم الذي من أجله جاء بك الله إلى هذا العالم في هذه الأيام و أنار حياتك بنور الإنجيل ، و  هو  إذ يطلعك على كل هذا يشجعك و يحفزك لتمتلئ بالثقة في قدراته على تحقيق كل تكليف يكلفك به في سبيل انجاح الرؤيا و تحويلها إلي كيان حي في أرض الواقع. إن الروح القدس روح القوة يملاءك من كل قوته فيقودك إلى إتمام مقاصد الله الأزلية . تقول كلمة الله في سفر أعمال الرسل الأصحاح الأول و الآية الثامنة " و لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم و تكونون لي شهوداً … إلى أقصى الأرض " إن الروح القدس هو روح الإيمان الذي إذ يملأ قلبك بالإيمان بالمواعيد الإلهية يقودك دائماً من قوة إلى قوة و من إنجاح إلى آخر و يجعلك تتفوق في كل عمل يكلفك به لأنه يهبك مواهبه و إمكانياته الإلهيه التي بها تتم كل عمل ينبغي عليك أن تعمله . 

و للشخص الذي ينجح في تحقيق الرؤى ، و ترجمتها إلى واقع حي ، صفات نوجزها في نقطتين هما :

  1. الصفات الشخصية : كصفاء الذهن الذي نعتمد عليه في التركيز في تفكيرنا على الأهداف التي نريد تحقيقها و من هذا يحتاج إلى تدريب على اخلاء الذهن من المشاغل المختلفة التي تزاحم ما نركز في الوصول إليه . لن ينجح صاحب الفكر المشتت المزدحم كما تقول رسالة يعقوب الصحاح الأول و الآية الثامنة " رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه.

   نحتاج أيضاً إلى التركيز على الفهم لنحسب المور بدقة و نبتعد عن شطحات الخيال . كن واضحاً أمام نفسك و حدد كل شئ بعناية و ترتيب ، و اعط جسدك حقه في الراحة بعيداً عن الكسل و التراخي فهذا أيضاً يساعدك على التركيز الجيد.

كما أن للمثابرة و الاصرار على النجاح دور هام في تحقيق الهداف المنشودة . ان العزائم  تخلق البطال و تحقق البطولات ، و الارادة القوية تصعد بصاحبها سلم النجاح . و كما قال أحدهم " ينجح دائماً كل متحمس أعصابه باردة " يحتاج المر إلى أن تكون متحمساً بدون اندفاع أو تهور.

و نحتاج أيضاً في طريق تحقيق الرؤيا إلى روح مغامرة تقبل التحديات ةو تهزأ بالصعوبات و لا تستسلم لها مهما كانت شديدة أو مستحيلة فالأيمان الحي لا تطفئه صعوبات تقف كالجبال العاتية.

  1. الصفات الروحية: و على رأسها الشركة الروحية مع الله في الصلاة و مع كلمته الحية و مع روحه المحي الذي يلهب قلوبنا غيرة من نحو الله و مشيئته . و للشركة شق آخر هام مع أعضاء الجسد الواحد الذين لا يمكنني أن أعيش بدونهم أو أ، أحقق نجاحات في طريق الرؤيا بمعزل عنهم . دعم شركتك الروحية مع الرب و مع كنيسته تصعد دوماً سلم النجاح بنفوق .

و الحياة النقية ، صفة أخرى مهمة " فالأنقياء القلب يعاينون الله " و هذا هو عين ما نحتاجه في شركتنا مع الله أن نراه و نعاينه فيعلن لنا أسراره و طرقه و خططه فنكون ناجحين به و على مثاله. نحتاج أيضاص أن تكون عيون أذهاننا مستنيره فينساب إليها الفكر الالهي بسلاسة فنسير في طرق الله و نحقق ما وهبنا من رؤى لمجد اسمه و امتداد ملكوته. 

تتحقق الرؤى بواسطة أفراد مطيعين خاضعين للرب مكرسين له بالتمام . لقد حقق يسوع ابن الانسان قصد الآب من تجسده عندما وضع نفسه و أطاع حتى موت الصليب ، و هكذا بالطاعة نقبل أن نموت كحبة الحنطة في التربة ، فنأتي بثمر كثير أبدي. ترتبط الطاعة بالثقة المطلقة في الله . و الثقة نتيجة حتمية لمحبتنا من نحو من أحبنا أولاً و أسلم نفسه من أجلنا. إن الأيمان لا يتردد و لا يتاخر عن الطاعة ، فتكون النتائج معبرة عن قدرة ذلك الذي أطعناه، و الذي أحببناه فقبلنا أن نصنع له كل ما يامرنا به .

ناتي إلى نقطة هامة ، و هي كيف نحول الرؤيا إلى خطة عمل ، لأن النجاح لا يأتي إلا حينما نرتب الأمور و نتحرك وفق خطوات مدروسة بعناية لأن الحلام الجميلة وحدها لا تكفي لتحقيق مستقبل أفضل . يبدأ الأمر بالتخيل و التوقع ، ثم يلي ذلك التخطيط المدروس : فنحدد أهداف الخطة على المستوى القريب و على المستوى البعيد . و بمعونة و ارشاد الروح القدس نقسم العمل إلى مراحل مختلفة ، و الى مكوناته التفصيليه ، و نحدد أهداف كل مرحلة . ثم ندرس ما نحتاج اليه من امكانيات بشرية و مادية و نفكر في كيفية توفير هذه الامكانيات " من منكم و هو يريد أن يبني برجاً لا يجلس أولاً و يحسب حساب النفقة ، هل عنده ما يلزم لكماله … " ( لو 14 : 28 –30).

نحتاج إلى إعداد الفراد إعداداً جيداً روحياً و نفسياً ، فكرياص و دراسياص فالتنمية البشرية هي حجر الساس في نجاح الخطة . قد نحتاج في سبيل ذلك إللى مؤتمرات تدريبية و خلوات روحية و دورات دراسية و تعلم اكتساب مهارات معينة تحتاجها الخطة امنشودة.

و هكذا إذ نسير بواقعية ، و بحكمة نحول أعظم الحلام إلى أعمال رائعة و مجيدة تحقق قصد الله منا ، و تغير العالم من حولنا . و ان كان ينبغي أن نتذكر أن كل مولود يحتاج الى وقت مناسب لكي ينمو و يشق طريقة في الخحياة ، و هكذا علينا أن نوفر الجو الصحي لنمو الرؤى الوليدة حتى يحين الوقت الذي نراها تتحول إلى واقع حي يمجد اسم الهنا العظيم ، و هذا يعزينا و يقودنا لأن نتتطلع إلى المستقبل بأحلام وثابة جديدة معتمدين على قدرة الله واثقين في معونته على تحقيقها لتصير الرض و من فيها للرب و لمسيحه.

 

و نضيف الى ما سبق أن الله يبدأ معك اعدادأ تدريجياً ن و يبثك رؤى و أعمالاً تختلف في حجمها و أبعادها من وقت لآخر ، و كلما كنت أميناً أمام الرب في القليل ياتمنك على الأكبر فينقلك مثلاً من مشغولية قيادة أسرتك لمعرفة المخلص – إلى كيف تقود مجتمعك كله للمسيح : قريتك – مدينتك – مدرستك-مصنعك … و حتى دولتك كلها.

أعمل العمل الذي يكلفك به الروح القدس بأمانة ، صغيراً كان أم كبيراً  ، أهتم أن تتمم مقاصد الله في كل مرحلة من مراحل حياتك ، لتحقق مشيئة الله و تشبع قلبه .

ان الرسالة التي أنت منطلق لتحققها هي أعظم عمل على وجه الأرض أن تقود النفوس لمعرفة الرب و المخلص . دع خطواتك تكون قوية و ثابتة و وثابة أيضا ، تقدم دائماص للأمام في طريق قيادة النفوس لصليب المسيح ن و تأكد في قلبك أن الروح القدس يؤازرك و يؤيدك.   


طباعة   البريد الإلكتروني